ذُكر الكلبُ في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، ذُكر كوسيلة للصيد في الآية الرابعة من سورة المائدة في قول الله جل شأنه «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ …
الدور النبيل للكلاب في السرد القرآني
الكلب هو أول حيوان استأنسه الإنسان، وارتبط كل منهما بالآخر، وتولدت بينهما صداقة أخذت تنمو خلال العصور، لما يتمتع به الكلب من صفات الوفاء والإخلاص للإنسان وقدرته الكبيرة في الصبر وتحمل المشاق والشجاعة… ولا تزال الآثار الباقية تدل على وجود الكلب مع الإنسان منذ آلاف السنين، حين كان الإنسان يعيش في الكهوف… وتحكي الكتب القديمة، والحديثة، الكثير من النوادر والطرائف المثيرة عن الكلاب، وكذلك الوقائع التي للكلب فيها دور قد يصل إلى مرتبة البطولة… ويستفيد الإنسان من الكلاب في أمور كثيرة كالحراسة والصيد والزينة وتعقب المجرمين، وإرشاد العميان إلى الطريق الآمن، وشدّ عربات المعاقين جسديا، وشدّ الزحافات وخلافه.
وتعيش الكلاب البريّة في جماعات، وتتعاون على الصيد… ويقود الجماعة أكبر الكلاب سنا وأكثرها خبرة وأعظمها شجاعة… ويتزاوج الكلب مع الكلبة وينجبا جراءً (جمع جَرو) بعد فترة حمل تصل إلى 61يوم، ولا تقل عن 60يوم… ويُعرف عمر الكلب من أسنانه، فكلما اسودّت دلّ ذلك على كبره، وكلما كبر عمره غلظ صوته… وقد قسمنا البحث الحالي قسمين، أولهما يتناول المثل القرآني المضروب بالكلب، وما يمكن استنباطه من إشارات علمية واردة بالآيات القرآنية، وأما القسم الثاني فيتناول العديد من الأحاديث النبوية والأحكام الفقهية في الشريعة الإسلامية.
رمزية الكلاب في الآيات القرآنية
تعتبر القرآن الكريم كتاباً مقدساً لدى المسلمين، ويحتوي على العديد من القصص والمواعظ التي تهدف إلى توجيه الإنسان وتوجيهه نحو الخير والحق. ومن بين الحيوانات التي ذكرت في القرآن الكريم الكلب، والذي ذُكر في عدة مواضع مختلفة.
إذا تم البحث في القرآن الكريم، يمكن العثور على ذكر الكلب في عدة آيات، وهذه الإشارات تأتي بطبيعة متنوعة وترتبط بمواضيع مختلفة. ومن بين هذه الآيات، ذُكر الكلب بصورة إيجابية في قصة أصحاب الكهف، وذلك في سورة الكهف، حيث يتحدث القرآن عن الشبان الذين أوتينا الكتابة من قبل الله وهم يتواجدون في الكهف، وكان لديهم كلب، وهو يحرس مدخل الكهف. تُظهر هذه القصة وفاء الكلب لأصحابه وتحقيقه لدوره في الحفاظ على سلامتهم.
ومع ذلك، يجدر بنا أن نفهم أن الكلب ذُكر في بعض الأحيان في سياق سلبي، حيث يُذكر ك
مثال على الشر والفساد. على سبيل المثال، في سورة الأعراف، يتم ذكر الكلب في قصة قوم صالح، حيث يُستخدم الكلب كمثال على البعد عن الصلاح والتقوى.
دروس من ذكر الكلاب في القرآن: الوفاء والحذر
وبمراجعة القرآن الكريم، يمكن القول بأن الكلب ذُكر في عدة مواضع، وتختلف السياقات والمواقف التي يظهر فيها هذا الذكر، مما يبرز التنوع الذي يتضمنه القرآن في تناوله للحيوانات وفي استخدامه لها كمثال أو رمز في توجيه البشر نحو الخير والصلاح.
نعود إلى الآية القرآنية الكريمة ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{176}) [ سورة الأعراف]، وهو مثل مخزي لعلماء السوء، صوّرهم بأشنع وأقبح ما يمكن للخيال أن يتصوره، صورة الكلب اللاهث الذي لا يكف عن اللهث، ولا ينفك عن التمرغ في الطين والأوحال… ولتك لعمر الحق أقبح صورة مزرية لمن رزقه الله العلم النافع فاستعمله لجمع الحطام الفاني، وكان خزيا ووبالا عليه، لأنه لم ينتفع بهذا العلم، ولم يستقم على طريق الإيمان، وانسلخ من النعمة، وأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.
وفي تشبيه ذلك الضال في حال لهفه على الدنيا بالكلب في حال لهثه، سِرٌّ بديعٌ، وهو أنَّ هذا الذي حاله ما ذكره الله مِن انسلاخه مِن آياته واتباعه هواه، إنما كان لشدة لـهفه على الدنيا لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة، فهو شديد اللهف عليها، ولـهفه نظير لـهف الكلب الدائم في حال إزعاجه وتركه.، فإنه في الكلاب طبع لا تقدر على نفض الهواء المتسخن، وجلب الهواء الهواء البارد بسهولة، لضعف قلبها وانقطاع فؤادها، بخلاف سائر الحيوانات، فإنها لا تحتاج إلى التنفس الشديد ولا يلحقها الكرب والمضايقة إلاّ عند التعب والإعياء.
دروس من ذكر الكلاب في القرآن: الوفاء والحذر
ولكن يبقى التشبيه حاويا لحقيقة علمية لم يصل إليها علم الإنسان إلاّ في العقود المتأخرة من القرن العشرين الميلادي، ومؤداها أن الكلب هو الحيوان الوحيد الذي يلهث بطريقة تكاد تكون مستمرة، وذلك في محاولة منه لتبريد جسده الذي لا يتوفر له شئ يذكر من الغدد العرقية إلا في باطن أقدامه فقط، فيضطر إلى ذلك اللهاث في حالات الحرّ أو العطش الشديد أو المرض العضوي أو النفسي، أو الإجهاد والإرهاق أو الفزع والاستثارة…