يعتبر موضوع الميراث من الموضوعات الفقهية المهمة في الشريعة الإسلامية. الفرق بين السنة والشيعة في الميراث ويحتل الميراث مكانة خاصة لأنه يتعلق بتوزيع الأموال والممتلكات بعد وفاة الشخص، مما يؤثر بشكل مباشر على حياة الأفراد والعائلات.. يختلف المذهب السني والمذهب الشيعي في بعض المسائل المتعلقة بالميراث، رغم وجود أساس مشترك بينهما يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية.
الأساس المشترك
يعتمد كل من السنة والشيعة في تقسيم الميراث على الآيات الواردة في سورة النساء، حيث يتم تحديد الأنصبة للمستحقين من الورثة. من هذه الآيات:
- الآية 11: تقول “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ …”.
- الآية 12: تقول “وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ …”.
- الآية 176: تقول “يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ …”.
تعد هذه الآيات هي الأساس الذي يعتمد عليه الفقهاء من كلا المذهبين لتحديد كيفية تقسيم التركة بين الورثة.
الاختلافات بين السنة والشيعة في الميراث
أهل السنة
في المذهب السني، يتم تقسيم الميراث بناءً على قواعد محددة ونظام دقيق من الأنصبة والإرث بالتعصيب والإرث بالفرض. يتبع أهل السنة منهجًا تفصيليًا يعتمد على:
- الفرائض: وهي الحصص المفروضة في القرآن. على سبيل المثال، للزوجة الربع من تركة زوجها إذا لم يكن له ولد، وللأم السدس إذا كان للمتوفى ولد.
- التعصيب: حيث يرث الأقرب من الذكور دون الإناث في حالة عدم وجود فرائض. في حالة وجود أب وأبناء، يرث الأبناء الذكور بالتعصيب ما تبقى بعد توزيع الفروض.
- ذوي الأرحام: يرثون في حالة عدم وجود أصحاب الفروض والعصبات. يشمل ذوي الأرحام الأعمام والأخوال والعمات والخالات.
أهل الشيعة
في المذهب الشيعي، يتم تقسيم الميراث بطريقة مشابهة ولكن مع بعض الاختلافات الجوهرية:
- البنات والأبناء: يرث الأبناء والبنات بالتساوي، حيث لا يتم تفضيل الذكر على الأنثى كما في السنة. هذا يعتبر من الفروقات الجوهرية بين المذهبين.
- التعصيب: لا يوجد مفهوم التعصيب في الميراث عند الشيعة. الورثة يحصلون على أنصبتهم المحددة من الفروض، ولا يوجد تفضيل للذكور على الإناث في هذا السياق.
- ذوي الأرحام: لهم دور أكبر في الميراث مقارنة بالمذهب السني، حيث يرثون بشكل مباشر في حالة عدم وجود الورثة المباشرين. يتم تقسيم التركة بينهم بناءً على الأقرب فالأقرب.
تفاصيل إضافية حول المعايير المختلفة
ميراث الزوج والزوجة
في المذهب السني:
- الزوج: يرث نصف تركة زوجته إذا لم يكن لها ولد، ويرث الربع إذا كان لها ولد.
- الزوجة: ترث الربع من تركة زوجها إذا لم يكن له ولد، وترث الثمن إذا كان له ولد.
في المذهب الشيعي:
- الزوج: يرث نصف التركة في حال عدم وجود ولد وربعها في حال وجود ولد، لكن يتم توزيع الباقي بشكل يختلف عن السنة في حالة وجود ورثة آخرين.
- الزوجة: ترث الربع من تركة زوجها إذا لم يكن له ولد، وترث الثمن إذا كان له ولد، والباقي يوزع بين الورثة الآخرين وفقًا لأنصبتهم المحددة.
ميراث الأبناء والبنات
في المذهب السني:
- الابن: يرث ضعف ما ترثه الابنة، بناءً على الآية القرآنية “لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ”.
- الابنة: ترث نصف ما يرثه الابن.
ميراث الأبوين
في المذهب السني:
- الأب: يرث سدس التركة إذا كان للمتوفى ولد، وإذا لم يكن له ولد فإنه يرث كل التركة إذا لم يكن هناك ورثة.
- الأم: ترث سدس التركة إذا كان للمتوفى ولد أو إخوة، وترث ثلث التركة إذا لم يكن له ولد أو إخوة.
في المذهب الشيعي:
- الأب: يحصل على سدس التركة إذا كان للمتوفى ولد، والباقي يوزع بين الورثة الآخرين.
- الأم: ترث سدس التركة إذا كان للمتوفى ولد، وترث ثلث التركة إذا لم يكن له ولد. في حال وجود إخوة، ترث الأم سدس التركة والباقي يوزع بين الورثة الآخرين.
ميراث الإخوة والأخوات
في المذهب السني:
- إذا كان للمتوفى إخوة وأخوات من نفس الأم، فإنهم يشتركون في ثلث التركة، بحيث يحصل كل ذكر على ضعف ما تحصل عليه الأنثى.
- إذا كانوا إخوة وأخوات من نفس الأب أو من نفس الأبوين، فإنهم يرثون بالتعصيب، حيث يحصل الذكر على ضعف ما تحصل عليه الأنثى.
في المذهب الشيعي:
- الإخوة والأخوات يرثون بالتساوي إذا لم يكن هناك ورثة آخرين أقرب.
- لا يوجد تفضيل للذكور على الإناث في التركة، ويتم توزيع الميراث بالتساوي بينهم.
ميراث الأولاد
في المذهب السني:
- الابن: يرث ضعف ما ترثه الابنة.
- الابنة: ترث نصف ما يرثه الابن. إذا كانت الابنة الوحيدة، فإنها ترث نصف التركة، وإذا كانت أكثر من واحدة، فإنهن يشتركن في ثلثي التركة.
في المذهب الشيعي:
- الأبناء والبنات يرثون بالتساوي.
- لا يوجد تفضيل للذكر على الأنثى، وتوزع التركة بينهم بالتساوي.
ميراث ذوي الأرحام
في المذهب السني:
- يرث ذوي الأرحام (كالعمات، العم، الخالات، والخال) إذا لم يكن هناك أصحاب فروض أو عصبات.
- يتم توزيع الميراث بناءً على القرب والقرابة.
في المذهب الشيعي:
- ذوي الأرحام لهم دور أكبر في الميراث مقارنة بالمذهب السني.
- يرثون بشكل مباشر في حالة عدم وجود الورثة المباشرين ويتم تقسيم التركة بينهم بناءً على الأقرب فالأقرب.
أمثلة تطبيقية
حالة عدم وجود أولاد:
- في المذهب السني: إذا توفي رجل وترك زوجة وأب وأم فقط، ترث الزوجة الربع، ويرث الأب سدس التركة، وترث الأم سدس التركة، والباقي يعود إلى الأب بالتعصيب.
- في المذهب الشيعي: إذا توفي رجل وترك زوجة وأب وأم فقط، ترث الزوجة الربع، ويرث الأب سدس التركة، وترث الأم سدس التركة، والباقي يوزع بين الأب والأم بنسبة متساوية.
حالة وجود أولاد:
- في المذهب السني: إذا توفي رجل وترك زوجة وابن وابنة، ترث الزوجة الثمن، ويرث الابن ضعف ما ترثه الابنة.
- في المذهب الشيعي: إذا توفي رجل وترك زوجة وابن وابنة، ترث الزوجة الثمن، ويتم توزيع الباقي بالتساوي بين الابن والابنة.
الخاتمة
رغم أن الأساس في تقسيم الميراث في الإسلام يستند إلى نصوص قرآنية واضحة، إلا أن الاختلافات الفقهية بين السنة والشيعة تعكس تنوع الاجتهادات والتفسيرات في الفقه الإسلامي. هذه الاختلافات تعبر عن ثراء الفقه الإسلامي وتعدد مدارسه، مما يتيح للمسلمين الاختيار بين آراء مختلفة حسب معتقداتهم الفقهية.
تظهر هذه الفروقات بوضوح في مسائل مثل تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث عند السنة، والمساواة بينهما عند الشيعة، وكذلك في كيفية التعامل مع ذوي الأرحام وحصصهم من التركة. هذه الاختلافات، رغم أنها قد تبدو بسيطة، تؤثر بشكل كبير على توزيع الميراث وتحديد حقوق الورثة.
بالتالي، يمكن القول إن فهم هذه الاختلافات يساعد في تعزيز الفهم العميق للشريعة الإسلامية وتطبيقاتها المختلفة