الزنا من الكبائر التي حذرت منها الشريعة الإسلامية بشدة، وأمرت بالابتعاد عنها لما لها من آثار سلبية كبيرة على الأفراد والمجتمع. ومن بين التساؤلات الشرعية اهل يجوز الزواج من امرأة زنيت بها وهي متزوجة ؟ ، وهو موضوع حساس يتطلب النظر في عدة جوانب فقهية. سنناقش في هذا المقال الحكم الشرعي لهذا الأمر استناداً إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وآراء الفقهاء.
حكم الزنا في الإسلام
قبل التطرق إلى حكم الزواج من امرأة زنت وهي متزوجة، يجب أولاً أن نؤكد على موقف الشريعة الإسلامية من الزنا بشكل عام. الزنا محرم في الإسلام وهو من الكبائر التي تستوجب التوبة والاستغفار. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
“ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا” [الإسراء: 32].
وقد وردت عقوبات صارمة للزنا في القرآن والسنة، فمن زنى وهو محصن (أي متزوج) فإن حكمه الرجم حتى الموت، ومن زنى وهو غير متزوج فحكمه الجلد مائة جلدة، مع تطبيق الحدود وفقاً لضوابط شرعية صارمة تشمل وجود أربعة شهود عدول أو الاعتراف.
هل يجوز الزواج من امرأة زنيت بها وهي متزوجة؟
السؤال هنا يتعلق بحالتين مهمتين: أولاً، الزنا مع امرأة متزوجة؛ وثانياً، إمكانية الزواج من هذه المرأة بعد الزنا بها وهي لا تزال في عصمة زوجها. الأحكام الشرعية في هذا السياق واضحة وصارمة، وهي كما يلي:
1. حرمة الزواج من امرأة زنت وهي متزوجة:
لا يجوز شرعاً الزواج من امرأة زنت وهي متزوجة، لأن الزنا يعد انتهاكاً صارخاً لميثاق الزواج بين الزوجين. إذا كانت المرأة متزوجة وزنت مع رجل آخر، فإن العلاقة تكون غير شرعية في جميع الأحوال، ويجب على المرأة التوبة إلى الله سبحانه وتعالى وقطع علاقتها بهذا الرجل بشكل نهائي.
الأدلة الشرعية: جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: “والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم” [النساء: 24]، مما يدل على أن المتزوجة محرمة على غير زوجها، وأنه لا يجوز لأي رجل أن يتزوج أو يقيم علاقة مع امرأة متزوجة.
2. التوبة وإمكانية الزواج بعد الطلاق:
إذا زنت المرأة وهي متزوجة وتابت توبة نصوحاً، فإنه يجب عليها أولاً إنهاء زواجها الحالي بالطلاق، ولا يجوز الزواج منها حتى تتأكد من انتهاء عدتها. وبعد انتهاء عدتها وتوبتها، قد يُسمح بالزواج بها، ولكن وفقاً لشروط صارمة.
التوبة النصوح: الإسلام يفتح باب التوبة لكل مذنب مهما كانت خطيئته، بشرط أن تكون التوبة صادقة وخالصة لله تعالى. قال الله تعالى: “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم” [الزمر: 53].
ومع ذلك، ينبغي على الرجل الذي زنا بها أن يتوب هو الآخر، وألا تكون العلاقة بينهما قائمة على الزنا، بل يجب أن تكون بنيتها صحيحة بعد الطلاق وانتهاء العدة.
3. شروط الزواج بعد التوبة:
حتى إذا تاب كلا الطرفين، فإن الزواج بينهما ليس مباحاً فوراً. هناك شروط يجب أن تتوفر لتجنب الوقوع في الإثم:
- انتهاء العدة: يجب أن تكون المرأة قد أنهت عدتها بعد الطلاق من زوجها الأول. العدة هي الفترة الزمنية التي يجب على المرأة أن تنتظرها قبل أن تتزوج رجلاً آخر بعد الطلاق أو وفاة الزوج. مدة العدة تختلف حسب الحالة (ثلاث حيضات للمرأة المطلقة، وأربعة أشهر وعشرة أيام للمرأة المتوفى عنها زوجها).
- التوبة النصوح: يجب أن يكون الرجل والمرأة قد تابا توبة نصوحاً من جريمة الزنا، ويجب أن تكون العلاقة مبنية على نية الزواج وفقاً للشريعة الإسلامية وليس استمرارية لعلاقة محرمة.
- الإلتزام بالأحكام الشرعية: يجب أن يكون الزواج بعد ذلك وفقاً للأحكام الشرعية من عقد نكاح صحيح وولي وشهود ومهر.
موقف الفقهاء من الزواج بعد الزنا
تتفق المذاهب الفقهية الأربعة (الشافعية، الحنفية، المالكية، والحنابلة) على حرمة الزنا، ولكنهم يختلفون في بعض التفاصيل المتعلقة بالزواج بعد الزنا. ورغم أن الزواج من الزانية التي تابت جائز بعد انتهاء عدتها في بعض المذاهب، إلا أن العديد من الفقهاء يرون أنه من الأفضل الابتعاد عن هذا الزواج لتجنب الفتن ولأن العلاقة بنيت في الأصل على معصية.
النصيحة الشرعية
على من وقع في هذه المعصية أن يسعى إلى التوبة الخالصة والابتعاد عن العلاقات المحرمة. الزواج في الإسلام هو ميثاق غليظ يجب أن يُبنى على الاحترام والالتزام بأوامر الله، وليس على الخطيئة. لذا، فإن من الأفضل عدم الإقدام على الزواج من امرأة زنت وهي متزوجة، إلا بعد التأكد من انتهاء كل الشروط الشرعية، بما في ذلك الطلاق والتوبة النصوح.
الخلاصة
هل يجوز الزواج من امرأة زنيت بها وهي متزوجة؟ الإجابة المباشرة هي لا. لا يجوز الزواج من امرأة زنت وهي في عصمة زوجها، ويجب عليها أولاً أن تتوب إلى الله تعالى وتطلب الطلاق من زوجها، ثم تقضي عدتها. بعد ذلك، وفي حال تابت توبة نصوحاً، قد يُسمح بالزواج منها، لكن الأمر يعتمد على الالتزام بالشروط الشرعية وعلى الابتعاد عن الفتن والمخاطر التي قد تنشأ من الزواج الذي بدأ بمعصية.